رأي “لكم”: أين اختفى العثماني في ظل هذه الظروف ؟



في العالم، وحالة حظر صحي، غير مسبوق، لا يٌعرف متى سيرفع، بتصريحات صحفية لموظفين في وزارة الصحة يقرؤون مساء كل يوم على المواطنين بلاغات جافة بأرقام عدد المصابين والوفيات، دون تقديم أي شرح أو تفسير لما جرى ويجري. لا يمكن تلخيص حياة أناس يموتون وآخرون مهددون بالموت في مجرد أرقام بكماء لكنها مخيفة.
من حق الرأي العام المغربي أن تٌقدِّم له الحكومة كل التوضيح والتفسير لما يجري: لماذا تَرتفع نسبة الوفيات بسرعة في المغرب مقارنة مع دول سجلت أكبر عدد من الإصابات وأقل عدد من الضحايا؟ كم عدد الإصابات المحتملة بناء على المعطيات التي تتوفر عليها الوزارة والجهات المختصة؟ وماذا أعدته الحكومة من خٌططٍ في حالة ارتفاع عدد المصابين؟ أين ينتشر الوباء بسرعة داخل خارطة البلاد؟ ولماذا؟ ما هي نتيجة الاستعانة بدواء “الكلوروكين”، المثير للجدل، على الحالات التي تم استعماله لعلاجها؟ وهل تم تقييم آثاره على الداء وعلى المصابين؟ كم عدد الأسرة المجهزة بأجهزة التنفس في المستشفيات وما هو توزيعها على جهات البلاد؟ ما هي التدابير التي اتخذت في حالة الحاجة إلى أسرة أكثر؟ إلى متى ستستمر حالة الحظر الصحي؟ وما هي آثاره الحالية والمستقبلية على اقتصاد البلاد؟
حالة الغموض وغياب كبار المسؤلين، والنقص الكبير في التواصل، كلها أمور تغذي مخاوف الناس، وتنشر جوا من الإحباط الجماعي في مواجهة هذا الوباء. ففي مثل هذه الأوقات الغامضة والمثيرة للشكوك، تكثر الإشاعات وتنتعش الخرافات ويعم اليأس والإحباط، وهنا يأتي دور المسؤول السياسي، وهو يختلف عن دور التكنقراط الذي يجب أن يبقى تنفيذيا فقط لقرارات السياسي.
تناسل الشائعات والأخبار الزائفة لا تحارب فقط بالطرق الزجرية، التي تكون مفهومة في حالة الطوارئ، وإنما بالتواصل الجيد والحضور الفعلي للمسؤولين للرد على تساؤلات الناس وطمأنة مخاوفهم.
في كل بلاد العالم المتقدمة والنامية، على حد سواء، يٌكثّف قادتها السياسيين مؤتمراتهم الصحفية اليومية، رفقة كتيبة من الأطباء والخبراء في كل الاختصاصات، لمخاطبة شعوبهم، وإخبارهم بكل التفاصيل الدقيقة عن التدابير والقرارات التي يتخذونها لطمأنتهم أولا واحتراما لذكائهم ثانيا.
الأزمة الحالية التي يمر بها المغرب، وحالة الحظر الصحي التي تعرفها البلاد أكبر من أن تترك للقياد ورجال الأمن ليديروها، فهؤلاء يقومون بواجبهم حتى الآن على أحسن وجه، رغم تسجيل بعض التجاوزات التي تبقى معزولة وغير مقبولة أو مبررة، لكن هذا لا يعفي كبار المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة، من تحمل مسؤولياتهم في تدبير الأزمة. المنصب الحكومي ليس مجرد كرسي و امتيازات، وإنما هو قبل كل شيء مسؤولية سياسية وأخلاقية تجاه الشعب، وهذه المسؤولية يجب أن تظهر في وقت الأزمات أكثر مما هي مطلوبة في الأوقات الأخرى.
قبل أن تصاب المستشارة الأمريكية، أنجيلا ميركل، بالفيروس اللعين، وتدخل فترة الحظر الصحي، خاطبت شعبها بهذه الكلمات: “من الطبيعي أن كل شخص منكم يملك الكثير من الأسئلة والكثير من القلق حول تطور الأمور. أنا أخاطبكم اليوم لأشرح لكم كيف تٌدبّرٌ الأمور في هذه الأوضاع غير المريحة. أريد أن أقول لكم كيف سنقود أنا وزملائي في حكومة الدولة هذه المرحلة. لأنه هكذا تكون الديمقراطية، على الحكومة أن تشرح قراراتها وتتناول الأمور بشفافية. ونحن نرغب أن نشرح تصرفاتنا حتى تكون واضحة ومفهومة لكم”. هكذا تكون القيادة السياسية الحكيمة. في عز الأوقات الصعبة تٌختبر عزيمة الزعماء الكبار وتبرز  صلابة الزعيمات الرائدات.

Popular posts from this blog

Low-Cost Travel: A Smart Traveler’s Guide to Exploring the World on a Budget

How to Master the Stress of Every Day Life With Five Essential Strategies